كتبت إيمان أبوسيدو أن العد التنازلي لنهاية الحرب في غزة يدفع المراقبين الدبلوماسيين إلى دراسة توجه السياسة الخارجية البرازيلية تجاه إسرائيل. الموقف الذي اتخذه الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا طوال الحرب لم يكن انفعالًا أو رد فعل مؤقتًا، بل انطلق من إطارٍ فكري متجذّر في رؤية اليسار اللاتيني للعدالة والسيادة والسلام.
أوضح الباحث في شؤون أميركا اللاتينية علي فرحات أن لولا لا يحمل عداءً لإسرائيل كدولة، فدول أميركا اللاتينية من أوائل من صوّتوا لصالح إنشائها. غير أن الخطاب اليساري في القارة يتبنى موقفًا نقديًا من سلوكها السياسي والعسكري، لا من وجودها. وأشار إلى أن لولا يستخدم لهجة نقدية حادة لأن اليسار اللاتيني يربط بين دعم الفلسطينيين ومبادئ مقاومة الاستعمار.
ذكرت ميدل إيست مونيتور أن لولا دا سيلفا عبّر في مؤتمر صحفي بروما بعد مشاركته في منتدى الأمم المتحدة للأمن الغذائي عن تفاؤله باتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، واصفًا إياه بأنه "فرصة حقيقية لسلامٍ دائم"، مؤكّدًا أن خلافه مع حكومة بنيامين نتنياهو تحديدًا لا مع دولة إسرائيل نفسها.
يرى فرحات أن هذا الموقف لا يُعد خروجًا عن ثوابت السياسة البرازيلية، بل استمرارًا لها بروحٍ نقدية. فالبرازيل لم تنكر وجود إسرائيل قط، بل حافظت على علاقات سياسية وتجارية واقتصادية معها، إضافة إلى وجود جالية يهودية كبيرة داخلها. إلا أن لولا، كما يوضح فرحات، يوازن بين القيم الأخلاقية والمصالح الاقتصادية، ويؤمن بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الأمم المتحدة.
منذ بداية الحرب في غزة، وصف لولا ما يجري بأنه "إبادة جماعية"، ليكون أول زعيمٍ عالمي يستخدم هذا الوصف علنًا قبل أن يتبعه بعض القادة الغربيين. اعتبر فرحات هذا الموقف انعكاسًا لتقاليد اليسار البرازيلي الرافضة للاستعمار والاحتلال العسكري. لولا هاجم القصف الإسرائيلي للمستشفيات والمنازل، وانتقد قتل المدنيين والأطفال، في لهجة إنسانية شديدة الوضوح.
اقتصاديًا، لم تتأثر العلاقات التجارية بين البرازيل وإسرائيل رغم التوتر السياسي. فالصادرات الزراعية البرازيلية إلى إسرائيل استمرت بوتيرة ثابتة، وكذلك استيراد التقنيات والمعدات الدفاعية. يرى فرحات أن هذه العلاقات الاقتصادية ستستمر بعد الحرب لأن الأمن الغذائي والتعاون التكنولوجي يمثلان نقاط التقاء براجماتية تتجاوز الخلافات المؤقتة.
ويضيف أن العلاقات السياسية تظل في حدّها الأدنى مع بقاء السفارات عاملة رغم غياب السفراء، بينما التجارة مستمرة دون انقطاع. ويعود ذلك إلى تأثير كتل اقتصادية قوية داخل البرازيل، خاصة قطاعات الزراعة والصناعة، التي تضغط لمنع أي تصعيد سياسي قد يضر بالاستقرار الاقتصادي.
يُذكر أن دول البريكس الأربع — البرازيل وروسيا والصين وجنوب أفريقيا — شكّلت نحو 12٪ من إجمالي التجارة الإسرائيلية عام 2022، وهو ما يجعلها أطرافًا قادرة على ممارسة ضغطٍ فعّال للدفع نحو وقفٍ دائم لإطلاق النار.
قبل حرب غزة، شهد الدعم الشعبي للبرازيل تجاه الفلسطينيين تراجعًا في عهد الرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو، الذي بنى تحالفًا أيديولوجيًا قويًا مع إسرائيل مستندًا إلى موجةٍ إنجيلية ضخمة تمثل نحو 30٪ من السكان. ربط بولسونارو الدعم لإسرائيل بالإيمان الديني، ما جعل التيار اليميني يعتبرها "حليفًا مقدسًا".
لكنّ خطاب لولا وموقفه المستمر من الحرب قلب المزاج الشعبي. فبحسب فرحات، غيّر التواصل المكثّف على وسائل التواصل الاجتماعي والنبرة الأخلاقية للرئيس صورة الصراع داخل الوعي العام، وأعاد التضامن مع الفلسطينيين إلى صدارة النقاش الوطني. شريحة واسعة من البرازيليين باتت تدين الهجمات الإسرائيلية وتتبنّى موقفًا إنسانيًا أقرب إلى رؤية لولا.
العلاقة بين اليسار البرازيلي والقضية الفلسطينية، كما يصفها فرحات، ليست سياسية فقط بل "وجدانية وأخلاقية". فحزب العمال الحاكم، بقيادة لولا، يرى في فلسطين امتدادًا رمزيًا لمعركته التاريخية ضد التبعية والاستبداد. لذلك يؤكد أن البرازيل لن تتخلى عن دعمها للشعب الفلسطيني، لأن هذا الالتزام جزء من فلسفتها السياسية والإنسانية.
ومع ذلك، تبقى البرازيل حريصة على التمييز بين النقد السياسي والعداء الدبلوماسي. فالبرازيل لا تنوي قطع العلاقات مع إسرائيل، بل تعتمد نهجًا متوازنًا يقوم على إدانة السياسات العدوانية مع الحفاظ على المصالح المشتركة. وإذا غيّرت إسرائيل قيادتها بعد الحرب، كما يرى فرحات، فلن يكون هناك ما يمنع عودة العلاقات إلى طبيعتها.
في الخلاصة، تتحرك السياسة الخارجية البرازيلية نحو تطورٍ مدروس لا انقلابٍ جذري. فهي توازن بين التزامها الأخلاقي بحقوق الإنسان وبراجماتيتها الاقتصادية كقوة تجارية عالمية، ما يجعلها — في عالمٍ منقسم — لاعبًا موثوقًا قادرًا على التوسط للحوار والمصالحة وبناء سلامٍ عادلٍ ودائم.
https://www.middleeastmonitor.com/20251017-is-brazil-signaling-a-shift-in-its-stance-toward-israel-after-the-gaza-war/